الخطبة الأولى:
الله أكبر (تسعا نسقا، 2 ثم يقول) :
الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر، الله أكبر عدد ما هلل مهلل وكبر، الله أكبر عدد ما التزم الملتزم، الله أكبر عدد ما أفيض هناك من عبرة وندم. (الله أكبر كلما أهلوا من الميقات محرمين). الله أكبر كلما يمموا عرفة ملبين. الله أكبر كلما سعوا بين المروة والصفا، الله أكبر كلما هبطوا واديا أو علوا شرفا، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله الله، أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله الذي سهل للعباد طريق العبادة ويسر، وأفاض عليهم من خزائن جوده التي لا تحصر، وجعل لهم عيدا يعود في كل عام ويتكرر، نقاهم به من درن الذنوب وطهر. فما مضى شهر الصيام إلا وأعقبه أشهر الحج إلى بيته المطهر. أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصر. وأشكره وهو المستحق لأن يحمد ويشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فقدر، ودبر فيسر. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب اللواء والكوثر، نبي نصر بالرعب مسيرة شهر حتى إنه ليخافه ملك بني الأصفر، نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك قام على قدمه الشريف حتى تفطر.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ما لاح هلال وأنور، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه ليس السعيد من أدرك العيد ولبس الجديد، وخدمته العبيد، إنما السعيد من اتقى الله فيما يبدي ويعيد، وفاز بجنة نعيمها لا يفنى ولا يبيد، ونجى من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم الصديد، ولباسهم القطران والحديد.
عباد الله:
الصلاة الصلاة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، واعلموا أن الله تعالى أمركم ببر الوالدين وصلة الأرحام، والصبر على 1 فجائع الأيام، والإحسان إلى الضعفاء والأيتام. قال تعالى: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }.
واجتنبوا الربا في المبايعات، فإنه من أكبر السيئات، ومن السبع الموبقات، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }.
عباد الله:
أوفوا المكاييل والموازين ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين، قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ووقروا اليمين بالله في الخصومات، ففي الحديث: "من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان، قالوا: يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك" .
أيها الناس:
حجوا البيت الحرام، فإن حجه أحد أركان الإسلام، يكفر الله به جميع الذنوب والآثام. قال تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
.
.
.
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبعا نسقا).
الحمد لله الذي خلق آدم من طين، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين. قسمهم بعلمه إلى أصحاب شمال وأصحاب يمين، قسمة كتبت فكتبت، غير أن للسعادة والشقاوة عنوانا يستبين. أحمده سبحانه حمد أوليائه المتقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين. اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا أمره ولا تعصوه. وعليكم بغض البصر فإن النظرة سهم من سهام إبليس. قال تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الآية.
واجتنبوا الخيلاء والإسبال في الثياب؛ فإن ذلك محرم بنص السنة والكتاب، قال تعالى: { وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً }.
وفي الحديث: "من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه " .
واعلموا أن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي الهاشمي العربي الأوفى. وارض اللهم عن الأربعة الخلفا. والسادة الحنفا. أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أهل الصدق والوفا، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان ولطريقتهم اقتفى، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والريب والفساد، وانشر رحمتك على هؤلاء العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
عباد الله، { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }.
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.