أثر علماء السنة في حفظ الدين، وعداوة أهل الأهواء لهم

الشيخ علي بن يحي الحدادي

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعد:

فإن الله تعالى بمنّه وكرمه تكفّل بحفظ دينه فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فبقي الدينُ الذي أكمله الله تعالى، وأتمَّ به نعمتَهُ علينا، ورضيَهُ لنا ديناً، بقيَ محفوظاً لم يضعْ بموتِ محمدٍ ﷺ ولا بموتِ أصحابهِ رضي الله عنهم، فكتابُ الله تعالى وسنّةُ نبيّهِ ﷺ وما يُحتاج إليه للتفقهِ فيهما ومعرفةِ مرادِ اللهِ ورسولهِ ﷺ منهما كلُّ ذلك محفوظٌ بحمد الله.

وإنّ من الأسبابِ العظيمةِ التي هيّأها الله تعالى لحفظِ دينه أن رزقَ الأُمّةَ بعلماءَ راسخينَ ربّانيين، تمسكوا بالكتاب والسُّنّة، وما كان عليه الصحابةُ والتابعونَ لهم بإحسان. يأمرون بالمعروفِ ويَنْهَوْنَ عن المنكر ويدْعُونَ إلى الخير.

يَدعونَ إلى توحيدِ الله تعالى، ولزومِ سنةِ رسول الله ﷺ والتمسكِ بمنهجِ السلفِ الصالح، ويدْعُون إلى فعلِ الطاعات، واجتنابِ المعاصي والمنكرات، ويأمرونَ بمكارمِ الأخلاق، وينهونَ عن مساوئها.

يحذِّرون من الشرك والخرافةِ والبدَعِ والمحدثاتِ في الدين، يأمرونَ بالاجتماعِ على الحق، ويحذّرون من التعصبِ والتحزّبِ للباطل، يأمرون بالسمعِ والطاعة، ولزومِ الجماعة، ويحذّرون من الخروج عليهم، وإقامةِ المظاهراتِ ضدَّهم، وإثارةِ الرعيةِ عليهم، ويحذّرون من الأحزاب والجماعات المنتسبةِ للدين وهي تفرّقُ الدين، وتخالفُ كلمةَ المسلمين، وتُخرِجُ الناس من السنةِ إلى البدعة، ومن الاجتماعِ إلى الفرقة.

فمن حكمةِ الله تعالى ورحمتهِ ولطفه بعبادِه أنّهُ لا يخلي زماناً من هؤلاءِ العلماءِ الربانيين، الصالحينَ المصلحين، الصابرينَ الـمُصابرين، المجاهدينَ بعلمِهم أهلَ الزيغِ والجهالةِ والضلالة، المرابطينَ الباذلينَ أعمارَهم لحراسةِ دينِ ربهم، وأداءِ ما تحمّلوه من الأمانة. مصداقاً لقوله ﷺ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»

نسأل الله تعالى أن يُكثّر في الأُمّة العلماءَ الناصحينَ الصادقين، وأن ينفعنا بهم، إنه سميع مجيب. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

.

.

.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ العلماءَ الذين سبقتِ الإشارةُ إلى شيءٍ من صفاتهم، كثيراً ما يتعرضون للأذى، والعداوةِ الشديدةِ من أهلِ الزيغِ والهوى، لأنّ المبتدع المتعصب لبدعته، لا يرضى عمَّن يحذِّرُ من بدعته، ويكشفُ أمرَه، فهو يحاولُ أن يصدَّ الناسَ عنه حتى لا يسمعوه، وإذا سمعوه لا يتّبعوه، وحتى يصلوا إلى هذه الغاية تراهم يحاصرونَ عِلْمَ هذا العالِمِ حتى لا يَصِلَ صوتُه إلى الناس، ولا تَصلَ كتبُه ولا تصلَ دعوتُه إليهم، وتراهم يُشيعون عن هذا العالِم الشائعاتِ والأكاذيبَ والبهتانَ ويرمونه بكل صفةٍ قبيحةٍ سيئةٍ ظلماً وعدواناً حتى تَنْفُرَ القلوب عن حُبِّه، وتشمئزَّ النفوسُ من ذِكر اسمه، وتَـمُجَّ الآذانُ حِسَّ صوته.

كذلك فعل المشركونَ للصدِّ عن النبيِّ ﷺ ، وكذلك فعلَ البُغاةُ الطُّغاةُ مع عثمانَ رضي الله عنه، والخوارجُ مع عليٍّ رضي الله عنه، وكذلك فعلَ أعداءُ السنن مع أئمةِ السنةِ كأحمدَ بنِ حنبل وابنِ تيمية ومحمدِ بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً فهي سنة الله في الأنبياء وفي أتباعهم قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ” الحديثَ.

فعلينا _إخوة الإسلام_ أن نكون أهلَ وعيٍ وبصيرةٍ وتمييز؛ حتى لا يخدَعنا حزبُ الإخوانِ المسلمين، ولا تخدَعنا التنظيماتُ القطبيةُ والسرورية فيصدونَنا عن علمائِنا الناصحين الصادقين، وعن الولاء لقيادتنا وولاة أمورنا، ثم يعلِّقوننا بمن يريدون لنا الفسادَ والدمار، وتخريبَ الدينِ والديار، تحتَ شعارِ الجهاد والعملِ للإسلام وإقامةِ الخلافة تدليساً وتلبيساً، نعوذ بالله من شرورِهم وندرأُ به في نحورِهم.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.