الخوف من النار صفة عباد الله الأبرار

الشيخ محمد مزيان

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرَه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا مَن يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّنَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةً وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهُ الذي تسائلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.

أما بعد فيا أيها المسلمون، عباد الله:

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت يا ربي أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير))

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) متفق عليه.

دلَّ هذان الحديثان يا عباد الله أنَّ شدَّة الحرِّ التي يجدُها الناس في فصِّل الصيف هي من فيح جهنَّم فإن الله جل وعلا قد جعل لجهنَّم نَفَسًا في الصيف هو أشدُّ ما تجدون من الحر، وهذا فيه دليلٌ يا عباد الله على أنَّ النارَ موجودةٌ الآن ومخلوقة وهذا الحرُّ الذي تجدونه في فصل الصيف يُذكِّركم بها فإن المؤمن يا عباد الله هو الذي يعتبر ويتذكر فيتذكر نار جهنم يجد حر الصيف فيتذكر نار جهنم تصيبه الحمى الحارة فيتذكر نار جهنم يدخل الحمام الحار فيتذكر نار جهنم بل إنه يرى نار الدنيا فيتذكر نار جهنم {أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين} جعلناها تذكرة تذكركم النار الكبرى كما قال قتادة ومجاهد رحمهم الله تبارك وتعالى.

فالمؤمنون يا عباد الله الذين يرجون دخول الجنة يخافون من النار فالله عز وجل قد أخبرنا في كتابه عن عباده عباد الرحمن الوارثين للجنان وكيف كانوا يخافون من النار يا عباد الله فقالوا كما قال الله عز وجل عنهم: {اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما}. فاستعَدوا يا عباد الله ليوم عظيم فخافوا من العذاب فيه، هو عذاب جهنم يا عباد الله، فحرصوا على عمل الصالحات واجتناب المحرمات، أي اتقَوا ربهم جل وعلا فأكرمهم الله عز وجل بدخول الجنة والنجاة من النار

{أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحيةً وسلامًا خالدين فيها حسنت مستقرًا ومقامًا} لما كانوا يخافون من النار يا عباد الله لأجل أن الله عز وجل قد خوفهم من النار وحذرهم من النار سبحانه وتعالى قال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.

وقال سبحانه وتعالى: {فأنذرتكم ناراً تلظى} وكيف لا يخاف المؤمن النار وهو يسمع قول الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: {قل إني أخاف إن عصيتُ ربي عذاب يومٍ عظيم قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ماشئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظللٌ من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون}

و الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي أمره الله عز وجل بذلك، وهو الناصح لهذه الأمة، الحريص على دلالتهم على الخير كان يحذرهم من النار، ويخوفهم بالنار قال عليه الصلاة والسلام: [ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمل وينظر أشئم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة] رواه الامام البخاري.

وخطب مرة صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته : [أنذرتكم النار أنذرتكم النار] رواه الدارمي

النبي عليه الصلاة والسلام ينذرنا من النار ويخوفنا بالنار وهو الذي رأآها ورأى أمرا فضيعا فيها قال لأصحابه عليه الصلاة و السلام: [لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً] قلنا يا رسول الله وما رأيت? قال: [رأيت الجنة والنار] رواه الامام مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: [ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها] رواه الترمذي.

عباد الله: إن المؤمنين الذين يرجون دخول الجنة.

حين خوفهم الله ورسوله بالنار خافوا نار جهنم يا عباد الله فالمؤمنون الذين يرجون الجنة يخافون من النار لأنهم أيضا قد علموا بأن عذاب النار أليم لا يقدر عليه أحد يا عباد الله قرأوا كتاب الله عز وجل فوجدوا فيه وصف الله جل وعلا للنار ولعذابها الأليم فعرفوا بأنه عذاب لا يطاق فخافوا من النار

وحرصوا على اتقائها يا معاشر المسلمين كما قال سبحانه وتعالى: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما} والآيات في ذكر ما في النار من العذاب الأليم كثيرة يا عباد الله تدل على أن عذاب النار عذاب لا يطاق.

فيا تارك الصلاة، ويا عاق والديه، ويا آكل الربا، ويا من تغتاب المسلمين، ويا من تتعد الحدود وتقع في المحارم، اعلم بأن عذاب النار عظيم وعظيم جدا فهل تطيق يا عبدالله ذلك العذاب والله إنك لن تطيقه إنك لا تطيقه يا عبدالله فحذاري حذار من المعاصي التي تكبك في النار والله المستعان.

إن أهون أهل النار عذابا يا عباد الله يرى نفسه أشد الناس عذابا فيها كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم [أن أهون أهل النار من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا] رواه البخاري ومسلم.

المؤمنون والصادقون الذين يرجون الجنة يا عباد الله يخافون من النار لأنهم يا معاشر المسلمين حين قرأوا كتاب الله عز وجل علموا ما أخبر الله به من حال أهل النار وصياحهم فيها وما يطلبونه يا معاشر المسلمين فلأجل ذلك خافوا من النار كما قال سبحانه وتعالى: {والذين كفروا لهم نار جهنم

لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفَّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل}

هكذا يُنادون يا عباد الله وهم في نار جهنم وقال جل وعلا: {وإذ يتحاجون في النار فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مُغنون عن نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كلٌ فيها إن الله قد حكم بين العباد وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعو ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلا قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}

وهكذا أيضا ينادون ويقولون {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل}

ويقولون كما قال الله عز وجل: {ونادوا يا مالك ليقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون}

المؤمنون حين علموا بهذا الصياح من أهل النار وهم فيها وما يطلبونه يا عباد الله ولايجابون إليه خافوا من النار يا معاشر المسلمين ثم إن المؤمنين يا عباد الله لما خافوا من النار لما خافوا من النار صدقوا في خوفهم.

قد علمتم حفظكم الله أن الله جل وعلا قد ذكر من صفات أهل الجنة أنهم يخافون عذابه ويخافون من ناره وأنت يا عبدالله ألا تريد أن تكون من أهل الجنة فما عليك إلا أن تسلك سبيلهم وهذا بأن تخاف من نار جهنم وأن تصدق في الخوف منها يا عبدالله فان من صدق في خوفه من النار سارع إلى فعل الطاعات وسارع إلى ربه بفعل الأعمال الصالحات أدى الفرائض وتقرب إلى الله بالنوافل يصوم النهار ويقوم الليل لينجي نفسه من نار جهنم كما قال الله جل وعلا عن عباده الأبرار الوارثين للجنة دار القرار {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} هؤلاء الذين خافوا من النار وصدقوا في خوفهم من النار.

ابتعدوا يا عباد الله عن الذنوب والمعاصي وتعدي الحدود والوقوع في المحارم فهم صادقون في طلب النجاة من النار يا عباد الله واقرأوا معاشر المسلمين إن شئتم أو اخر سورة الفرقان وما ذكره الله جل وعلا عن عباد الرحمن الوارثين للجنان والذين نجاهم من النيران كيف كانوا يا عباد الله يجتنبون المحرمات كاجتنابهم الشرك والقتل والزنا والزور والإسراف والتبذير وغير ذلك والله جل وعلا يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} لأن المعصية يا عباد الله هي سبب دخول النار في ذلك اليوم ذلكم اليوم الذي يخاف عذابه ويحذر عقابه فمن صرف عنه العذاب فيه فهو المرحوم ومن لم يصرف عنه العذاب فهو المحروم، من نجا من ذلك العذاب فهو الفائز السعيد ومن لم ينج منه فهو الهالك الشقي، نعوذ بالله عز وجل أن نكون من الأشقياء.

اللهم إنا نعوذ بك من نار جهنم اللهم إنا نستجير بك من النار(3مرات ) ياعزيز يا غفار.

.

.

.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيا أيها المسلمون عباد الله إن المؤمنين الذين يخافون من نار جهنم وهم صادقون في الخوف من هاته النار العظيمة يا عباد الله قد فروا إلى الله عز وجل والتجأوا إلى الله جل وعلا ولهذا تجدهم بالليل والنهار يدعون الله عز وجل أن ينجيهم من نار جهنم يا عباد الله لعلمهم بأن الله جل وعلا هو الذي يكرم بدخول الجنان والنجاة من النيران فقالوا كما قال الله عز وجل عنهم: {اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما}.

وقال الله جل وعلا: {فمنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار}

وقال الله جل وعلا أيضا: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار} هكذا يدعون الله عز وجل أن يسلمهم من نار جهنم يا عباد الله.

ألا فاتقوا الله يا عباد الله اتقوا الله عز وجل واتقوا النار التي أنذركم الله جل وعلا منها واحذروها يا عباد الله واتقوا ربكم جل وعلا حيث ما كنتم واحرصوا على عمل الصالحات واجتناب المحرمات وإياك يا عبدالله أن تحتقر من الأعمال الصالحة شيئا بل اتقي النار ولو بشق تمرة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم واجتهدوا رعاكم الله في دعاء الله جل وعلا وسؤاله أن ينجيكم من نار جهنم

فهذا كان من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أكثر دعوة يدعو بها نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : [اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار] كما قال ذلك خادمه أنس والحديث في الصحيحين وكان يقول في دعائه عليه الصلاة والسلام: [ أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قولٍ وعملٍ]

وأرشدنا صلى الله عليه وسلم ودلَّنا إلى الاستجارة بالله جل وعلا من النار وأعلمنا أن من استجار من النار ثلاثاً أجاره الله جل وعلا.

فيا عباد الله أروا الله جل وعلا من أنفسكم خيرا بفعلكم للطاعات واجتناب المحرمات ثم توجهوا إليه بالدعاء فإنّ الله جل وعلا كريمٌ غفورٌ رحيمٌ يُجيبُ سبحانه دعوة عباده فيُنجيهم من النَّار ويُكرِمهم بدخول الجنة.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قولٍ وعملٍ.

اللهم إنا نسألك الجنة ونستجير بك من النار(3مرات).

اللهم أجرنا من النار(3مرات)

اللهم اعتق رقابنا من النار اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا والمسلمين من النار برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.