تهنئة الكفار بأعياد دِينهم ومشاركتهم فيها وإعانتهم محرمات باتفاق العلماء

الشيخ عبدالقادر الجنيد

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي هدانا للإسلام، وجعلَهُ لنَا دينًا، ومَنَّ علينا بمحمدِ صلى الله عليه وسلم، وجعلَنا في خيرِ الأُمَم، وجنَّبَنا عبادةَ المخلوقين.

أمَّا بعد، فيا أيُّها الناس:

اتقوا اللهَ الذي خلقَكُم والجِبِلَّةَ الأوَّلِين، بالاستمساكِ بدينِه حتى الممات، وأكثروا مِن شُكرِه على امتنانِه عليكم بنِعمةِ الهدايةِ إلى الإسلام، والإخراجِ مِن ظُلمةِ الشِّركِ ونجاستهِ إلى نورِ التوحيدِ وطهارتِه، ومِن طريقِ النارِ وعذابِها إلى طريقِ الجنَّةِ ونعيمِها، فالحمدُ للهِ أنْ رحمَنا فجعلَنا مِمَّن يُؤمنُ بِه، ولا يَصرفُ العبادة إلا لَه وحدَه، فله نَركع، وله نَسجد، ووحدَه ندعو، وبِه نستغيثُ ونَستعيذ، وله نذبحُ ونَنذر، وغيُرنا مُشرِكٌ بِه وكافر، يَعبدُ وثنًا، أو يَسجدُ لنارٍ أو شمس، أو يتقرَّبُ ويَخضعُ ويَتذلَّلُ إلى بهيمة، أو يدعو آدميًّا صالحًا، يَستغِيثُ بِه، ويطلبُ مِنه الفرَجَ والمَددَ وزوالَ الشدائد، أو يطوفُ لصاحبِ قبر، ويذبحُ له ويَنذر، أو يَعبدُ المسيحَ عيسى بنَ مريم ــ عليه السلام ــ وأمَّه، فلهُما يُصلِّي ويَسجدُ ويَخضعُ ويَتذلَّلُ ويَتقرَّب، وإليهما يَلجأ، وبهما يَستنصِرُ ويَستنجِدُ ويَحتمِي، ومِنهما يَطلبُ حوائجَ دُنياه، وكَشْفَ ما بِه من ضُر، وإليهما يتوب، وإيِّاهما يَسأل مغفرةَ ذنوبِه وآثامِه، فاذكروا نِعمةَ ربِّكم القائلِ سبحانه: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ }، وتذكَّروا قولَ الكريمِ يوسفَ ــ عليه السلام ــ للسَّجِينينِ معهُ شاكرًا ربَّه على نِعمةِ الإسلام: { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يَرتجزونَ في غزوةِ الأحزب، فيقولونَ شاكرين: (( اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا، وَلَا صَلَّيْنَا )).

أيُّها الناس:

إنَّنا قد نشاهِدُ قريبًا احتفالاتَ جُموعٍ غفيرةٍ مِن أهلِ الكُفرِ في كثيرٍ مِن البلدانِ بعيدٍ دِينيٍّ عندَهم، وقد يكون هذا الاحتفالُ وللأسفِ قائمًا وظاهرًا في كثيرٍ مِن بلادِ أهلِ الإسلام، وأمامَ أعيُنِ صغارِهم وكبارِهم، وذُكورِهم وإناثِهم، ويُعِينُهم عليه بعضُ المسلمين.

ودُونَكم ــ فقَّهكم الله ــ ثلاث وقفاتٍ مُتعلِّقة بأعيادِ أهلِ الكُفر:

الوقفةُ الأولى / عن حُكمِ تهنئةِ الكفارِ بأعيادِهم ومناسباتِهم الدِّينيةِ كعيدِ الكِريسمس، أو الفَصْحِ، أو النَّيروزِ، أو بُوذَا، وما شابَهَها.

وهذهِ التهنِّئةُ مُحرَّمةٌ باتفاق العلماء، حيثُ قالَ الإمامُ ابن القيِّمِ ــ رحمه الله ــ: “وأمَّا التهنئةُ بشعائرِ الكُفرِ المُختصَّةِ بِه فحرامٌ بالاتفاق، مِثلَ أنْ يُهنِّئَهم بأعيادِهم وصومِهم فيقولَ: “عيدٌ مباركٌ عليك” أو “تَهنأُ بهذا العيد” ونحوه، وهوَ بمنزلةِ أنْ يُهنِّئهُ بسجودِه للصليب، بل ذلكَ أعظمُ إثمًا عندَ اللهِ وأشدُّ مقتًا مِن التهنئةِ بشُربِ الخمر، وقتلِ النفس، وارتكابِ الفرْجِ الحرام، ونحوِه، وكثيرٌ مِمِّن لا قَدْرَ للدِّينِ عندَه يَقعُ في ذلك، ولا يَدري قُبحَ ما فعَل، فمّن هنَّأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعة أو كُفر فقد تعرَّضَ لِمقتِ الله وسَخطِه”، وقال العلامةُ العُثيمين ــ رحمه الله ــ: “وإنَّما كانت تهنئةُ الكفارِ بأعيادِهم الدِّينيةِ حرامًا، لأنَّ فيها إقرارًا لِمَا هُم عليه مِن شعائرِ الكُفر، ورِضًا بِه لَهم، وإنْ كان المُهَنِّئُ لا يَرضَى بهذا الكُفرِ لنفسِه، لكن يَحرمُ عليهِ أنْ يَرضَى بشعائرِ الكُفرِ أو يُهنِّئَ بها غيرَه، لأنَّ الله لا يَرضَى بذلك، كما قالَ تعالى: { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ }“، ونَقلَ الفقيهُ ابنُ الحاجِّ المالكيِّ عن الإمامِ ابنِ القاسمِ صاحبِ الإمامِ مالكٍ ــ رحمهم الله ــ: “أنَّه لا يَحِلُّ للمسلمين أنْ يَبيعوا للنصارى شيئًا مِن مَصلَحَةِ عيدِهم، لا لحمًا، ولا إدَامًا، ولا ثوبًا، ولا يُعَارُونَ دابَّةَ، ولا يُعانُونَ على شيءٍ مِن دِينِهِم، لأنَّ ذلك مِن التعظيمِ لِشركِهم، وعَونِهِم على كُفرِهم، ويَنْبَغِي للسَّلاطين أنْ يَنهَوا المسلمينَ عن ذلك، وهو قولُ مالكٍ، وغيرِه، لم أعْلم أحَدًا اخْتَلَفَ في ذلك”. ــ يعني: مِن العلماء ــ، كُلُّهم على هذا القول لا يَختلفون.

الوقفةُ الثانيةُ / عن بعضِ الصُّورِ المَحرَّمةِ التي تَقعُ مِن بعضِ المسلمينَ أثناءَ إقامةِ الكفارِ لأعيادِهم الدِّينية.

ومِن هذه الصُّور المُحرَّمةِ، والمُنكراتِ الشَّنيعةِ، والأمورِ الآثِمَة:

أوَّلًا ــ إجابةُ دعوةِ الكفارِ إلى حضورِ هذهِ الأعياد، ومُشاركَتُهم فرحتَها، وتَهنئتُهم بها، وإهداؤُهم بمُناسبتِها، وهذا حرامٌ باتفاقِ العلماء.

ثانيًا ــ إرسالُ التَّهنِئَةِ بعيدِهِم عبْرَ الكُروتِ، أو الهاتفِ وبرامِجِه.

ثالثًا ــ إعلانُ التَهنئَةِ بأعيادِهِم عبْرَ القنواتِ الفضائية، أو الجرائد، أو مواقعِ شَبكةِ “الإنترنت”، وهذا وسابقِهِ حرامٌ باتفاقِ العلماء.

رابعًا ــ تأجيرُ صالاتِ الفنادقِ، والخيامِ، والكراسي، والفُرُشِ، والأنوارِ، وغيرِها، ليُقيمُوا فيها وبها أعيادَهم الدِّينيةِ، وهذا حرامٌ باتفاقِ العلماء.

ولأنَّ الأفعالَ هذهِ تُعيِنُهم على فِعلِ ما حرَّمَ اللهُ مِن كُفرياتٍ ومعاصي، وقد نَهَى اللهُ عن ذلك في قوله سبحانه: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }، وقال العلامةُ العُثيمين ــ رحمه الله ــ: “وإجابةُ المسلمِ دعوتَهم بهذِه المناسبةِ حرامٌ، لأنَّ هذا أعظمُ مِن تَهنئتِهم بها، لِمَا في ذلكَ مِن مُشاركتِهم فيها”.اهـ

الوقفة الثالثة / عن حُكمِ تِهنئةِ الكفارِ بأعيادِهم التي لا يزالونَ يَبتدعونَها ويُحدِثونَها لإغواءِ الناسِ، ورَميهِم في مُستنقَعِ الرَّذيلة والفُجور، وجَرِّهِم إلى التشبُّه بِهِم ومتابعتِهم في هيئاتِهم وأفعالِهم وأقوالِهم وعاداتِهم، كعيد الحُبِّ وأشباهِه.

وهذهِ الأعيادُ لا يَحِلُّ تهنئتُهم بها، ولا يجوزُ إظهارُ السُّرورِ بحلُولِها، ويَحرُمُ التجاوُبُ معها، لا بالألبسةِ الحمراء، ولا بإهداءِ الورودِ وقبولِها، لا مع الأهلِ، ولا مع غيرِهم، ولا بإظهارِ زيادةِ الحُبِّ والغَرامِ والحُنوِّ والعاطفةِ مع الزوجةِ بمُناسبتِها، ولا بتغييرِ مَظهرِ اللباسِ والبيتِ والسيارة، ولا بأيِّ شَكلٍ ومَظهرٍ وفِعلٍ يُجمِّلُ هذه الأعيادِ ويُزيِّنُها ويُحسِّنُها في أعيُن وقلوبِ الناسِ والأهل والصِّغار، لأنَّهُ يُعتَبرُ استجابةً لِمخطَّطاتِ المُفسدِين، وتوسيعًا لإفسادِهم في صفوف الناس، وإعانةً لهم على الاستمرارِ في الإفساد، وتَشبُّهًا بِهِم، وقد نَهَى اللهُ عن ذلكَ فقالَ سبحانَه: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ))، { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

.

.

.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأنَّ عِيسى عبدُ اللهِ ورسولُه، وبَشَرٌ مخلوقٌ كغيرِه.

أمَّا بعد، أيُّها الناس:

فإنَّ مولاةَ أهلِ الإيمانِ والتوحيد بمحبَّتِهم ونُصرتِهم، والبراءةَ مِن أهلِ الكفرِ والشِّركِ ببُغضِهم، وبُغضِ ما هُم عليه مِن كُفرٍ: لَمِنَ أصولِ الإسلام، وأعظمِ العباداتِ فيه، حيثُ قالَ اللهُ سبحانه: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ }، وقالَ ــ جلَّ وعزَّ ــ: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ }، وثبت أنَّ النِّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحَبُّ فِي الله، وَالْبُغْضُ فِي الله )).

أيُّها الناس:

لا رَيبَ أنَّ الكفارَ يُبغضونَ الإسلامَ وأهلَهُ ويُعادونَهم، ويَسعونَ لإضعافِهم وتمزيقِهم، وإطفاءِ نورِ الإسلام، وحَجْبِهِ عن العِباد، وقد أخبرَنا بِذلكَ ربُّنا الذي خلَقنا وخلَقَهم، وهو أعلمُ بِنا وبِهم مِن كلِّ أحد، وبظواهِر الجميعِ وبواطنِهم، حيث قال سبحانه: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }، وقال تعالى: { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ }، وقال تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }.

أيُّها الناس:

إنَّ بُغضَنا للكُفرِ وأهلِهِ لا يُبيحُ لَنا شرعًا بنصوصِ القرآنِ والسُّنةِ النَّبويةِ الثابتةِ المُستفيضَةِ واتفاقِ العلماء: أنْ نَعتدِيَ عليهِم في أبدانِهم، أو أعراضِهم، أو أموالِهم، لا في بلادِنا إنْ كانوا فيها، ولا في بلادِهم إنْ كُنَّا فيها، أمَّا بلادُنا: فلأنَّهم دخلوها بعهدٍ وأمانٍ مِن قِبَلِ الحاكمِ، أو أيِّ مسلمٍ عاقل بالغ مِن ذَكرٍ أو أُنثَى، وأمَّا بلادِهم: فلأنَّنا دخلناها بعهدٍ وميثاقٍ دوليٍّ مشهور بأنْ لا نضُرَّهم فيها، وقد قال اللهُ تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا }، وصحَّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ قَتَلَ مُعاهِدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ )).

هذا وأسألُ الله ــ جلَّ وعلا ــ: أنْ يُباعدَ بينَنا وبين ما حرَّمَ علينا، وأنْ يُعينَنا على ذِكره وشُكره وحُسن عبادته، اللهمَّ لا تُهلِكْنا بذنوبِنا وآثامِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا وأنفسِنا وأهلينا عن دِينِنا وآخِرتِنا، اللهمَّ إنَّا نسألك عِيشةً هنيَّة، ومِيتتةً سوِّية، ومرَدًّا غيرَ مُخْزٍ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ كما هديتَنا للإسلامِ أنْ لا تنزِعَه مِنَّا حتى تتوفَّانا ونحنُ مسلمين، إنَّك سميعٌ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكم.